بنو هاشم الشجرة الطيبة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله أصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بنى هاشم فأنا خيار من خيار من خيار". رواه مسلم في صحيحه.
وكما حدَّث عنهم علم من أعلامهم الإمام علي بن أبى طالب -كرَّم الله وجهه ورضي الله عنه قائلا:
أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى إلى سيدننا محمد صلى الله عليه وسلم
فأخرجه من أفضل المعادن منبتا
وأعز الأرومات مغرسا، ومن الشجرة التي صدع منها أنبياءه
وانتخب منها أمناءه
عترته خيرالعتر
وأسرته خير الأسر
وشجرته خير الشجر
نبتت في حرم
وبسقت في كرم
لها فروع طوال وثمرة لا تُنال
وقال الإمام علي -كرّم الله وجهه ورضي الله عنه: "نحن شجرة النبوة، ومحطّ الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكمة، ناصِرنا ومُحبُنا ينتظر الرحمة، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة".
************************
علي بن أبي طالب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم
هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهو هاشمي لأبويه، وقد سمّته أمه حيدرا، ثم غيّره أبوه فسمّاه عليّا وبه عُرِف. وُلِد علي رضي الله عنه في يوم الجمعة الثالث عشر من رجب بالكعبة المكرمة، وهو أول مولود وآخر مولود يلد بها.
ولمّا كانت أمه تحمله في بطنها وتقدِم على السجود لصنم كان يرفسها في بطنها فلا تسجد لذلك كرّم الله وجهه، وكان يكنى بـ"أبي الحسن"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكنه أيضا بـ"أبي تراب"، وقد ضمّه النبي صلى الله عليه وسلم إليه وهو طفل؛ فنشأ في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخلّق بأخلاقه، وأحبّه الرسول صلى الله عليه وسلم حُبّا شديدا.
ولما بلغ عشر سنين نزل الوحي وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم فكان علي رضي الله عنه أوّل مَن آمن به من الصبيان، وأقام علي رضي الله عنه في مكة ثلاث عشرة سنة وفداه يوم الهجرة وكان معه في المدينة ابنا وأخا حتى تزوّج بسيدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعاش الإمام علي ابن أبي طالب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ثلاثين سنة، ومات وعمره ثلاث وستين سنة ولم يتزوّج عليٌ على فاطمة رضي الله عنها حتى تُوفّيت فتزوّج عدة نساء؛ لأنه كان يريد نسلا كثيرا يُؤيِّد بيت النبوة.
وكانت حياة الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه مفعمة كلها بالأحداث؛ فعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ناضل المشركين واليهود فكان فارسا شجاعا، وفي أيام خلافته كانت له أحداث أخرى لَقِي فيها ما لقي من جرّاء تفرّق الكلمة واختلاف الجماعة مما ملأ قلبه بالحزن والشجن، ولكنه كان صابرا وضاء النفس سلم الذوق مستقيم الرأي عارفا بمهمات الأمور إصدارا وإيرادا، ومِن لطائف ما يروى عن الإمام أنه لما سُئِل لِمَ كثرت المشكلات في عهدك ولم تكن في عهد أبي بكر وعمر؟!! فقال رضي الله عنه: "لأنهما وليا على أمثالي ووليت على أمثالكم"، ولقد خصّه الله بمزايا كثيرة؛ فكان أوّل من آمن من الصبيان، وكان أوّل من صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلّى الله عليه وسلم وصفه بأنه منه بمنزلة هارون من موسى؛ فعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي". (أخرجه أحمد ومسلم وأبو حاتم).
وأن ذرية النبي صلى الله عليه وسلم من صلبه وهو مولى من كان النبي صلى الله عليه وسلم مولاه؛ فعن ابن مسعود قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم آخذ بيد علي، وقال هذا وليي وأنا وليّه واليت من والاه وعاديت من عاداه" (أخرجه الحاكمي).
تزوّج عليٌ من سيدة من نساء العالمين، وكان وحيا من السماء أنه هو وهي وأبناءهم رضي الله عنهم جميعا أهل البيت؛ فلمّا نزلت الآية الكريمة: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ}؛ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسن والحسين وقال: "اللهمّ هؤلاء أهلي" (أخرجه الترمذي). وأنه هو باب مدينة العلم؛ فعن علي رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا مدينة العلم وعلي بابها"، وأنه أعلم الناس بالسّنة؛ فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "مَن أفتاكم بصوم عاشوراء قالوا علي؛ أَمَا إنه أعلم الناس بالسنة" (أخرجه أبو عمر).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب". وروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أراد رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر فقال له علي أن الله تعالى يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} ويقول: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}؛ فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين؛ فترك عمر رجمها وقال لولا علي لهلك عمر. (أخرجه العقيلي وابن السمان عن أبي حزم بن أبي الأسود).
وكان من العشرة المبشرين بالجنة؛ وهم: أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، عبد الرحمن بن عوف، الزبير بن العوام، طلحة بن عبيد الله، سعد بن أبي وقاص، سعيد بن زيد، أبو عبيدة الجراح رضي الله عنهم جميعا.
وعرف الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأنه سيد الفصحاء وإمام البلغاء، وكان له شعر رصين يحمل من كريم المعاني ودر الكلام؛ فمن قوله تحدثا بنعمة الله عليه:
محمد النبي أخي وصهري وحمزة سيد الشهداء عمي
وجعفر الذي يمسي ويضحى يطير مع الملائكة ابن أمي
وبنت محمد سكني وزوجي مشوب لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها فمن منكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الإسلام طفلا صغيرا ما بلغت أوان حلمي
وصليت الصلاة وكنت فردا فمن منكم له يوم كيومي
فويل ثم ويل ثم ويل لمن يلقى الإله غدا بظلمي
وكان الإمام علي قاضيا بارعا، ولقد ورد عن ابن العباس رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأقواهم في دين الله عمر، وأشدّهم حياء عثمان وأقضاهم علي بن أبي طالب فمن أحبّهم فقد نجا ومن أبغضهم فقد هلك (أخرجه الملأ في سيرته).
ومن كراماته رضي الله عنه أنه أخبر عن نفسه أنه يُقتَل، وقد اسْتُشهد علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورضي الله عنه عن أثر ضربة بسيف مسموم قبل فجر ليلة الجمعة من آخر عشر برمضان سنة 40 هجريا على يد عبد الرحمن بن ملجم في الكوفة، ودُفن هناك رضي الله عنه وأرضاه.