عدد المساهمات : 497 تاريخ التسجيل : 08/04/2011 العمر : 52
موضوع: العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ساقي الحرمين السبت أغسطس 13, 2011 2:04 pm
بنو هاشم الشجرة الطيبة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله أصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بنى هاشم فأنا خيار من خيار من خيار". رواه مسلم في صحيحه.
وكما حدَّث عنهم علم من أعلامهم الإمام علي بن أبى طالب -كرَّم الله وجهه ورضي الله عنه قائلا:
أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى إلى سيدننا محمد صلى الله عليه وسلم
فأخرجه من أفضل المعادن منبتا
وأعز الأرومات مغرسا، ومن الشجرة التي صدع منها أنبياءه
وانتخب منها أمناءه
عترته خيرالعتر
وأسرته خير الأسر
وشجرته خير الشجر
نبتت في حرم
وبسقت في كرم
لها فروع طوال وثمرة لا تُنال
وقال الإمام علي -كرّم الله وجهه ورضي الله عنه: "نحن شجرة النبوة، ومحطّ الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكمة، ناصِرنا ومُحبُنا ينتظر الرحمة، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة".
************************
العباس عم النبي صلي الله عليه وسلم
هو عباس بن عبد المطلب بن هاشم، وأمه نتيلة بنت جاب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر بن سعد بن الخزرج، وهي أول عربية كست الكعبة الحرير والديباج، وسبب ذلك أن العباس ضاع وهو صغير فنذرت أمه إن وجدته أن تكسو البيت فوجدته ففعلت.
وقد وُلِد العباس قبل الرسول صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين، نشأ العباس مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عبد المطلب وأنِس إليه، وكان يرى من علامات النبوة في النبي صلى الله عليه وسلم ما جعله يحبه حبا شديدا، فقد روى ابن كثير أن العباس بن عبد المطلب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله دعاني للدخول في دينك أمارة لنبوتك؛ رأيتك في المهد تناجي القمر وتشير بإصبعك فحيث أشرت إليه مال.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني كنت أحدثه وكان يلهيني عن البكاء، وأسمع تسبيحه حين يسجد تحت العرش (البداية والنهاية ج 2 ص 266)، وكان أبو طالب بعد وفاة أبيه هو الذي يقوم بشأن النبي صلى الله عليه وسلم بعهد من عبد المطلب، وكان العباس حين مات عبد المطلب فوق العشرة بقليل، وقد كفى أبو طالب إخوته هم الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قام يدعو إلى ربه، باستثناء حمزة الذي بطش بأبي جهل حين سمع أنه آذى النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه، والذي كان سببا لإسلام حمزة.
أما العباس فقد ظل في موقف المتربص يكتم إسلامه ولم يعلنه، ولم يُبدِ عداوة، على عكس أبي لهب الذي جهر بعداوته للإسلام، حتى نزل في شأنه قوله تعالى: "تبَّت يدا أبي لهب وتب" (المسد)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأنس إلى عمه العباس، ويلجأ إليه بين الحين والحين، وقد أعطاه الله من نور النبوة وجعله يعرف أن عمه سيكون حصنا للإسلام، وقد كان العباس بعد وفاة أبي طالب سيد بني هاشم لا يُنَازع في ذلك، ومعه السقاية (زمزم).
وعلى الرغم من كتمان إسلامه وعدم إعلانه إلا أنه لم يترك ابن أخيه يوم بيعة العقبة وحده، بل خرج معه يلقى الأنصار ويشدد له العقد، ويُروَى أنه لما وصل جماعة من الأوس والخزرج إلى مكة سأل بعضهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ليسلموا عليه قائلين: "نود أن نلقى النبي صلى الله عليه وسلم، إنّا لم نره وقد آمنا به"، قيل لهم هو في منزل العباس بن عبد المطلب؛ فذهبوا إليه، وأستقبلهم العباس ونصحهم بإخفاء الأمر حتى يلتقوا، ووعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم اللقاء، وكأن المكان أسفل العقبة حيث المسجد، وأمرهم ألا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا؛ فخرجوا تلك الليلة متسللين، وقد سبقهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الموضع ومعه عمه العباس بن عبد المطلب ليس معه أحد من الناس غيره، وكان يثق به في أمره كله، فلما اجتمعوا كان أول من تكلم هو العباس، ثم تكلم الرسول صلى الله عليه وسلم، وتلى عليهم القرآن، ثم دعاهم إلى الله ورغبهم في الإسلام؛ فأجابوا بالإيمان والتصديق؛ فبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، والعباس أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد البيعة تلك الليلة على الأنصار، ناصحا الأنصار ويقول: "يامعشر الأنصار اخفضوا أصواتكم؛ فإن عليكم عيونا، وإنّا نخاف قومكم عليكم، ثم إذا بايعتم فتفرقوا إلى محالكم واكتموا أمركم".
وظل العباس كاتم إسلامه، وظل مقيما بمكة يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم -بعد الهجرة إلى المدينة المنورة- أخبار المشركين، وكان مَن بمكة من المسلمين يثقون به، وكان لهم عونا على إسلامهم، وقد أراد الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "مقامك بمكة خير، أنت آخِر المهاجرين، كما أنني آخر الأنبيباء"؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "من لقي العباس فلا يقتله فإنه أُخرِج من قريش كرها (أسد الغابة 3/164).
وأُسِر العباس وانضم إلى معسكر بقية أسرى بدر، وشد وثاق العباس في أسره؛ فسهر النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة التي أُسِر فيها العباس ولم ينم، فقال له أصحابه: "ما يسهرك يا نبي الله"؟ قال: "أسهر لأنين العباس"؛ فقام رجل من القوم فأرخى وثاقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لي لا أسمع أنين العباس؟؛ فقال الرجل: "أنا أرخيت من وثاقة"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فافعل ذلك بالأسرى كلهم".
وفدا العباس نفسه وفدا أولاد أخيه الذين أسروا معه، وكانوا قد أكرهوا على الخروج أيضا، وهم عقيل بن أبي طالب -نوفل بن حارث- وحليفه عتبة بن عمرو. وقال أحد الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إئذن لنا فلنترك لابن أختنا العباس فداه؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، عليه ما على غيره. وهذه هي عدالة الإسلام التي طبقها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتهاون فيها.
أسر العباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسلم، ولكن القوم استكرهوه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم الله أعلم بإسلامك إن كان ما تذكر حقا فالله يجزيك فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا فافد نفسك؛ فنزل قوله تعالى: "يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم" (سورة الأنفال 70).
نزلت في العباس بن عبد المطلب ونوفل بن حارث وعقيل بن أبي طالب.
ويروى أن الهاشميين الذي اشتركوا في بدر مع المشركين عادوا إلى مكة بعد فكاك أسرهم، ثم انطلقوا مهاجرين مسلمين (وقد أسلم من كان لم يسلم) إلى المدينة المنورة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعودة إلى مكة ليباشروا فيها مهام السقاية والرفادة والرئاسة (الطبقات: 4/10)، وقد انطلق العباس بن عبد المطلب إلى المدينة مهاجرا؛ فلقي النبي صلى الله عليه وسلم عند "الجحفة" في طريقه إلى مكة فاتحا؛ فأعاده النبي صلى الله عليه وسلم معه، وسمح لعياله بالتوجُّه إلى المدينة، وعاد العباس مع النبي صلى الله عليه وسلم ونزل الجيش بمر الظهران.
وشهد العباس بعد ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة حنين، وكان له فيها دور عظيم، وهاجر العباس رضي الله عنه إلى المدينة، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بين العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث، وأسكنهما في المدينة في موضع واحد، وفصل بينهما بحائط، وكانت هذه القطعة في المدينة ملاصقة لمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي عهد عمر بن الخطاب ضاق بالمسلمين مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك أنه كَثُر المسلمون، فاشترى عمر بن الخطاب ما حول المسجد من الدور إلا دار العباس، وحجر أمهات المؤمنين، ثم خيَّر عمر العباس بن عبد المطلب بين ثلاث: إما أن يبيع الدار، أو يبني له أخرى، أو يتصدق بها على المسلمين؛ فاختار العباس أن يتصدق بها على المسلمين، فبنى له عمر دارًا أخرى من بيت مال المسلمين.
وظل المسلمون يعرفون فضل العباس بعد رحيل النبي صلى الله عليه وسلم وزاد رفعه في نظرهم أن نأى بنفسه عن الزج في خلافات الخلافة.
فرُوِى أن العباس رضي الله عنه عرض على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعهد إليه بإمارة وأن يستعمله على الصدقة؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسأل الإمارة فإنها إن جاءتك أُعِنت عليها، وإن سألتها لم تُعَن عليها".
فهذه التعليمات التي أصدرها النبي صلى الله عليه وسلم لبني هاشم جعلتهم ينأون بأنفسهم عن المزاحمة في الخلافة والمناصب إلا إذا جاءت من تلقاء نفسها، وفي عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أيضا قحط الناس وأجدبت الأرض وكاد الناس أن يهلكوا؛ فخرج عمر بالناس لصلاة الاستسقاء، وأخذ بيد العباس رضي الله عنه فاستقبل القبلة فقال: يارب هذا عم نبيك عليه السلام، جئنا به إليك؛ فأسقنا. وقال عمر للناس: أيها الناس اقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس، واتخذه وسيلة إلى الله، أدع يا عباس؛ فدعا العباس: "اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجَّه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة؛ فأسقنا الغيث، واحفظ اللهم نبيك في عمه؛ فأمطرت السماء كثيرا حتى أخصبت الأرض، وأقبل الناس على العباس يتقربون إليه ويقولون له: "هنيئا لك يا ساقي الحرمين"؛ فقال عمر رضي الله عنه: ذلك والله هو القرب إلى الله والمكان منه. ولذلك لُقِّب العباس رضي الله عنه بـ"ساقي الحرمين".
ويعد العباس رضي الله عنه الجد الأعلى للعباسين، وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم العباس بخلافة أحفاده، فعن أبي ميسرة -مولى العباس- قال: سمعت العباس يقول: "كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال: انظر، هل ترى في السماء من شيء؟ فقلت: نعم، قال: ما ترى؟ قلت: الثريا، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أما إنه سيملك هذه الأمة عددها من صلبك".
ونحن نعلم أن مؤسس الدولة العباسية هو عبد الله بن محمد بن الإمام علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم؛ فهو الحفيد الرابع للعباس رضي الله عنه (مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 199).
وتزوج العباس من أم الفضل، وهي لبابة الكبرى بنت الحارث، وأخت السيدة ميمونة بنت الحارث التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، وغير لبابة تزوج من أم ولد، وحجيلة بنت جنوب بن الربيع.
وتوفي العباس رضي الله عنه بالمدينة يوم الجمعة 21 رجب سنة (32 ه) قبل مقتل عثمان بسنتين وصلى عليه عثمان بن عفان، ودفن بالبقيع وهو ابن 88 سنة.