هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، وأمه لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن الهلالية، وهو ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وخالته ميمونة بنت الحارث زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخوه الأكبر الفضل بن العباس وهو ابن خالة خالد بن الوليد.
وُلِد عبد الله بن عباس بشعب أبي طالب في مكة قبل الهجرة بثلاث سنوات؛ فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فحنّكه بريقه، وروى مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب جاء أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال له يا محمد أرى أم الفضل قد اشتملت على حمل؛ فقال له: لعلّ الله أن يقرّ أعينكم، وقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم في قول آخر، وقال: لعلّ الله أن يبيّض وجوهنا بغلام نجيب فولدت عبد الله بن عباس.
وعبد الله بن عباس الذي روى الحديث المشهور الذي يعدّ أساس الوصول إلى الله تعالى ومعرفته واليقين به؛ فقد أردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم فقال له: يا غلام ألا أُعلّمك كلمات ينفعك الله بهن؟ احفظ الله يحفظك.. احفظ الله تجده تجاهك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله جف القلم بما هو كائن، ولو اجتمع الخلق على أن يعطوك شيئا لم يكتبه الله عزّ وجلّ لك لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا على أن يمنعوك شيئا كتبه الله عز وجل لم يقدروا عليه؛ فاعمل لله تعالى بالرضا في اليقين، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا. [رواه أبو النعيم في حلية الأولياء ح 314 ص عن الزهري].
وقد كان ابن العباس محل نظر النبي صلى الله عليه وسلم منذ صغره وربّاه على عينه، وفي خلال السنوات القليلة التي قضاها في كنف النبي صلى الله عليه وسلم منذ هاجر به أبوه عام الفتح حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم؛ استفاد عبد الله من بركة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه ورعايته الشيء الكثير؛ فحين هاجر كان سنة 11 سنة وتُوفّي النبي صلى الله عليه وسلم وهو 13 سنة.
لقد بلغ من فقه ابن العباس في صغره أنه وصل من النبي صلى الله عليه وسلم إلى درجة عزت على كثير من الرجال؛ فهو يقول: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الليل فجعلني حذاه فلمّا انصرف قلت له: ولا ينبغي لأحد أن يُصلّي حذاءك وأنت رسول الله الذي أعطاك النبوة؟ قال: فدعا الله أن يزيدني فهما وعلما، وحدث طاوس عن ابن عباس فقال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على ناصيتي، وقال: اللهم علّمه الحكمة وتأويل الكتاب (الطبقات ج 2 قسم 2 ص 119).
وأكرمه الله فأراه جبريل أمين الوحي مرتين، وبشّره على لسان النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون ترجمان القرآن وحِبر هذه الأمة؛ فعن ابن عباس قال: كنت مع أبي عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يُناجيه -قال عفان- أحد رواه الحديث وهو -أي رسول الله صلى الله عليه- كالمعرض عن العباس؟ فخرجنا من عنده فقال العباس أرى ابن عمك كالمعرض عني فقلت: إنه كان عنده رجل يُناجيه فقال العباس: أو كان عنده أحد؟ قلت نعم فرجع العباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هل كان عندك أحد آنفا؟ فإن عبد الله أخبرني أنه كان عندك رجل يناجيك قال النبي صلى الله عليه وسلم هل رأيته يا عبد الله؟ قال عبد الله نعم قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك جبريل عليه السلام. [البداية والنهاية 8/297].
وروى موسى بن ميسرة أن العباس بن عبد المطلب بعث ابنه عبد الله في حاجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده رجلا فرجع ولم يُكلّمه من أجل مكان ذلك الرجل، فلَقِي العباس بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال العباس: يا رسول الله أرسلت إليك ابني فوجد عندك رجلا فلم يستطِع أن يُكلّمك فرجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عم أتدري من ذلك الرجل قال لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك جبريل ولن يموت ابنك حتى يذهب بصره ويؤتى علما.
ورزق الله ابن عباس قلبا عقولا وذهنا صافيا وملكة قوية وذاكرة واعية حافظة، كما رزقه دأبا على طلب العلم وشغفا به وإقبالا عليه؛ فكان يقصد أهل الفقه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجلس إليهم ويتعلّم منهم ويتأدّب معهم، ويروى عنه أبو سلمة قوله: وجدت عامة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الأنصار؛ فإن كنت لآتي الرجل فأجده نائما لو شئت أن يوقظ لي لأوقظ؛ فأجلس على بابه تسفّر على وجهي الريح حتى يستيقظ متى يستيقظ، وأسأله عمّا أريد ثم أنصرف. [الطبقات قسم 2 ص 121].
لقد بلغ ابن لعباس مبلغا كبيرا من العلم حتى كان عمر بن الخطاب يقرّبه ويستثنيه، وقال الأوزاعي: قال عمر: إنك لأصبح فتياننا وجها، وأحسنهم عقلا، وأفقهم في كتاب الله عزّ وجلّ.
لم يقتصر ابن العباس على طلب العلم والتبحّر فيه، بل إنه شارك في الجهاد في سبيل الله في المعارك الإسلامية التي تبشّر بدين الله، وكان أحد الذين اشتركوا في فتح إفريقيا في جيش يطلق عليه جيش "العبادلة" بقيادة عبد الله بن أبي سرح؛ وفيه: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، واشترك مع علي بن أبي طالب في "موقعة الجمل"، وشهد مع علي قتال الخوارج، وقد أشار على الحسين بعدم الخروج إلى الكوفة.
وقضى عبد الله بن عباس آخر أيامه في الطائف وتُوفّي بها سنة 68 هجرية وهو ابن سبعين سنة، وصلَّى عليه ابن الحنيفية وحينئذ قال ابن الحنيفية: مات والله حِبر هذه الأمة. (أسد الغابة ص 3 ص 294).
وكان لعبد الله بن عباس سبعة ذكور وبنتا وأمهم زرعة بنت مشرح الكندية رضي الله عنهم جميعا.